الثلاثاء 23 أبريل 2024 06:00 مـ 14 شوال 1445هـ
مقالات

موريشيوس معجزة افريقية  مخبوءة

البصمة

عزيزى القارىء كل عام و انت بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك, و لأننا مقبلون على العيد الذى قد يكون غداً أو بعد غد , أود أن اتحدث عن شىء مبهج و سأتناول فى حديثى دولة صغيرة جدا عبارة عن مجموعة جزر لا تكاد تلفت النظر على الخريطة كما لا تكاد تذكرها وسائل الاعلام .

و أتصور أن غالبية القراء لم يسمعوا عنها, انا شخصيا سمعت عنها عندما تسلمت العمل فى معهد بحوث المحاصيل السكرية حيث كان يوفد سنويا اثنين من شباب الباحثين للتدريب على زراعة وانتاج محصول القصب ، الذى تتميز فيه و الذى ادخل زراعته اليها الاستعمار الهولندى فى الثلث الثانى من القرن السابع عشر الميلادى.

لكن فى الاونة الاخيرة بدأت تتبدى فى عدد قليل من وسائط الاعلام باعتبارها الدولة الافضل بين دول قارة افريقيا فى النمو و الحوكمة و التعايش السلمى و رعاية مواطنيها فكيف ذلك؟ بدأت أهتم بالامر و ابحث فى كل ذلك فكانت بالنسبة لى مفاجئات كثيرة ومذهلة.

لكن فى مبتدأ الامر دعنى اقدم لك عزيزى القارىء معلومات عنها فهى دولة صغيرة مساحتها حوالى 2500 كيلو متر مربع لن تعثر عليها بالخريطة الا بالتدقيق الشديد أما موقعها فهى قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لأفريقيا. نالت استقلالها من الاحتلال الانجليزى عام 1968 و الذى سبقه احتلال فرنسى سبقه احتلال هولندى , و يرجع الفضل فى معرفة العالم بها للبحارة العرب الذين اكتشفوها و اطلقوا عليها دنيا العروبه هكذا نجدها فى خرائط القرون الوسطى العربية.

عدد سكانها حوالى 1,3 مليون نسمة من أعراق متعددة كالهندية، و الصينية والأفريقية، والأوروبية، و العربية بالتالى تتباين اللغات التى يتحدثون بها الإنجليزية، والفرنسية، والكريولية، والعديد من اللغات الأخرى منها العربية و التى بدأ الاهتمام بتدريسها فى مراحل التعليم المختلفة منذ أكثر من اربعة عقود. أما الديانات فهناك 50% يدينون بالهندوسية، و30% مسيحيون، و17% مسلمون، والبقية ديانات أخرى و ملحدون.

و بهذه الفسيفسائية الاثنية و الدينية قد يتبادر الى الذهن انه قد يحدث بها ما وقع للتوتسى فى راوندا و لمسلمى البوسنة والهرسك فى شرق اوربا و مينامار او الايغور فى الصين او الصراع بين الدنيكا و النوير فى جنوب السودان و أخيرا ما يحدث لقومية التيجراى من ابادة فى اثيوبيا. لكن هذا لم يحدث بل الذى حدث هو العكس تماماً. فقد استطاعت موريشيوس أن تخلق دولةً ناجحة تتفوق على كافة دول أفريقيا في سيادة القانون، احتلّت موريشيوس المرتبة 18 على مستوى العالم في تحقيق الديمقراطية، وذلك وِفقاً لمؤشّر الديمقراطية الذي يقيس الحالة الديمقراطية في167 دولة. وهذا قادها الى تبؤها المكانة الأولى أفريقياً في مؤشرات التنمية وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، وصاحبة المرتبة 81 من أصل 182 دولة في النمو الاقتصادي، كما أن معدل إنتاجها المحلي يزداد بمعدل 5.4% سنويًّا.

و تعتمد فى اقتصادها على الزراعة و تصنيع المنتجات الزراعية و تصديرها بالاضافة الى السياحة التى تحقق دخلاً ضخماً لما تتصف به جزرها من مناظر خلابة و صفاء مياه شواطئها, و الأمان التام بما يحقق الطمأنينة الراحة للسياح, لذا تفضل النخبة الاوربية قضاء اجازاتها فيها.

بالاضافة لوجود شفافية فى ادارة موارد البلد و تدنى معدل الفساد للحد الذى يمكننا القول انه غير موجود.

وفى هذا السياق يمكننا ان نلقى الضوء على حادثة مهمة تدلل على عظم الشفافية و المحاسبية و سيادة القانون, فقد حدث ان رئيسة الدولة استخدمت بطاقة ائتمانية أهدتها لها منظمة أهليه فى شراء مجوهرات ومشتروات شخصية قيمتها 25 ألف يورو. فقامت الدنيا ولم تقعد و اقتربت الرئيسة من تقديم استقالتها ووصل الامر الى القضاء , لكنها ذكرت أنها قامت بإنفاق هذا المبلغ من البطاقة لكن دون قصد، وأثبتت التحقيقات أنها بمجرد ادراكها لخطأ الصرف الذى قعت فيه و قبل انتشار الخبر، تواصلت مع الهيئة مالكة البطاقة وسددت المبلغ من حسابها الشخصي. لتنتهى هذه الازمة.

و لكن ماذا تقدم موريشيوس لمواطنيها ؟

التعليم المجاني للجميع من مراحله الأولى حتى الجامعة، بل ان الدولة توفر للطلاب وسائل انتقالهم من منازلهم إلى مدارسهم او جامعاتهم .

كما توفر الرعاية الصحية المجانية للجميع بدايةً من الفحوص الأولية حتى إجراء جراحات القلب مجانًا أى و الله مجاناً، اضف الى ذلك انه لايوجد بها مشردون دون سكن بل ان اكثر من 90%من العائلات يمتلكون البيوت التى يقطنون بها, بقى ان اقول أن متوسط دخل الفرد 19600 دولار امريكى.

و من مظاهر تفرد موريشيوس ان الدول صغيرة المساحة قليلة السكان تحاول تعويض ذلك بالمبالغة فى التسلح لتحمى نفسها و شعبها من طمع الطامعين لكن موريشيوس قررت أن المبالغة في الإنفاق العسكري إهدار للموارد، خاصةً أنها لا ترى ولا تصنع لنفسها أعداءً وهى ترى وأن الجيش الحقيقي الذي يرفع شأن الدولة ويدافع عنها هو الإنسان المُتعلم الواعي الشاعر بامتنانٍ والولاء لبلده على ما قدمته له.

واعود فاقول ان موريشيوس الدويلة الصغيرة التى غابت عنها الثروات الطبيعية كالنفط و الغاز الطبيعى و مختلف المعادن و الغابات , اعتبرت ان الانسان هو الثروة الطبيعية فأهتمت بتوفير سكن ملائم لهم و ايضا مجانية والصحةو التعليم الجيد الخالي من التمييز والمحاباة هو ما جعل أطياف الدولة المتفاوتة تتآلف وتتكاتف لتقدم للعالم بأثره درساً فى أن الاهتمام ببناء الفرد وتطويره هو أساس النمو، وأن التعليم والصحة هما دعامتا التقدم، وأن الجيش الحقيقي الذي يرفع شأن الدولة ويدافع عنها هو الإنسان المُتعلم الواعي الشاعر بالامتنانٍ والولاء لبلده على ما قدمته له.

واخيرأ عزيزى القارىء اظن انك الان تتمنى ما اتمناه ,, لنعوا الله ان يحقق امنياتنا من اجل بلادنا العزيزة.