السبت 27 ديسمبر 2025 03:45 مـ 7 رجب 1447 هـ
بوابة البصمة
×

وَداعُها كانَ أَشَدَّ حُزْناً عَلَيْهِ مِنْ وَداعِ مَيِّت

السبت 21 أغسطس 2021 01:56 مـ 12 محرّم 1443 هـ
وَداعُها كانَ أَشَدَّ حُزْناً عَلَيْهِ مِنْ وَداعِ مَيِّت

سَأَلَها: هَلْ سَأَراكِ ثانِيَةً؟ وَمَتَى؟
فَأَجابَتْ: لَيْسَ في هَذِهِ الحَياةِ... فَفُرَصَكَ جَميعَها قَدْ اسْتَنْفَذْتَها...
فَقَالَ مُنْدَهِشاً: وَلَكِنَّكِ سَوْفَ تَشْتاقينَ لي... فَماذا أَنْتِ بِفَاعِلَة؟
فَأَجابَتْهُ مُقاطِعَةً إِيّاهُ: قَدْ عَلَّمْتَني بِبُرودِكَ أَلاَّ أَشْتاق... بَلْ قَدْ أَمَتَّ فِيَّ كُلَّ شُعورٍ بِالفُقْدان... فَبِتُّ لا أَفْتَقِدُ شَيْئاً بِحَياتي إِلاَّ نَفْسي... وَبِتُّ أَشْتاقُ لِنَفْسي... فَأَمْضي بَاحِثَةً عَنْها... فَلا أَجِدُها...
هو: أَوَلِهَذِهِ الدَّرَجَة؟

فَقالَت بِصَوْتٍ خافِتٍ وَحَزين: بَلْ وَأَكْثَر...
فَأَجابَها بِحُزْنٍ: لَمْ أَكُنْ أَعْلَمْ أَنَّني بِصَمْتي قَدْ سَبَّبْتُ لَكِ كُلَّ هَذا...
فَقَالَتْ: أَتُسَمّي هَذا صَمْتاً؟ إِنَّهُ الإِهْمالُ بِعَيْنِهِ...
فَأَمْثالُكَ يا فَتَى... قَدْ خُلِقوا بِيَوْمٍ... كانَتْ قَدْ ماتَت بِهِ المَشاعِرُ...

فَحَزِنَ هُوَ حُزْناً ما شَعَرَ بِمِثْلِهِ مِنْ قَبْل... ثُمَّ اقْتَرَبَ مِنْها مُقَبِّلاً جَبينَها... مُوَدِّعاً إِيَّاها... طالِباً مِنْها السَّماحَ...
فَقَالَتْ: قَدْ سامَحْتُكَ مُنْذُ الأَزَلِ... وَلَكِنَّ اللهَ قَدْ أَرادَ لَنا الآنَ أَنْ نَفْتَرِقَ... عَلى أَمَلٍ مِنّي أَنْ نَلْتَقِيَ في حَياةٍ أُخْرى... تَكونَ قَدْ تَعَلَّمْتَ فيها مَعْنى الحُبِّ وَالمَشاعِر... وَعِنْدَها فَقَطْ قَدْ أَكونَ لَكَ... وَقَدْ تَكونَ لِيَ أَنا وَحْدي... فَتَكُفَّ عَنْ صَمْتِكَ القاتِلِ وَالمُمِلّْ...

إِلى ذَلِكَ الحينِ... عَلَيَّ أَنْ أَمْضي مُسْتَوْدِعَةً إِيَّاكَ أَيْدي المَلائِكَةِ... كَيْ تَحْرُسَكَ وَتَرْعاكَ حَتَّى الأَزَل...
ثُمَّ أَدارَت بِظَهْرِها وَسارَتْ قُدُماً إِلى غَيْرِ رَجْعَةٍ... مُخْتَفِيَةً مَعَ الأُفُقِ...

فَبَكَاها بِحُرْقَةٍ... لَمْ يَبْكِها... وَلا حَتَّى في وَداعِ مَيِّتٍ...